Wednesday, February 17, 2016

حكم الضمان على مَن في حوادث السير المختلفة

حكم الضمان على مَن في حوادث السير المختلفة
يقع السؤال أحياناً بأنه متى يجب الضمان على السائق فيما يحصل منه حوادث بسيارته؟
أقول وبالله التوفيق:
إن هذه المسألة استوفاهاً بحثاً فقيه العصر فضيلة العلامة محمد تقي العثماني في كتابه النافع الماتع قضايا فقهية معاصرة ص311، وإليك خلاصة ما فيه: ((الأصل: أن سائل السيارة مسؤول عن كل ما يحدث بسيارته خلال تسييره إياها، وذلك لأن السيارة آلة في يده، وهو يقدر على ضبطها، فكل ما ينشأ عن السيارة، فإنه مسؤول عنه، والذي يظهر لي أن هناك فرقاً كبيراً بين الدابة والسيارة من حيث إن الدابة متحركة بنفسها بخلاف السيارة، فإنها لا تتحرك إلا بفعل من السائق، ومن هذه الجهة أرى أن ما ذكره الفقهاء من الفرق بين ما أصابته الدابة بفهما أو يدها، وبين ما نفحته برجلها أو بذنبها لا يتأتى في السيارة، فإنهم ضمنوا الراكب في الحالة الأولى، ولم يضمنوه في الحالة الثانية؛ لأن راكب الدابة لا يمكنه التحرز عما تفعله الدابة برجلها أو بذنبها.
أما السيارة فلا تتحرك بنفسها، فجميع السيارة آلة للراكب، وهو يقدر على ضبط جميع أجزائها؛ لأن أجزاءها متماسكة بعضها مع بعض، ليس لجزء مها حركة مستقلة عن حركة الآخر، ولذا فيجب أن يضمن سائل السيارة لكل ضرر ينشأ عنها سواء نشأ ذلك الضرر من أجزاء السيارة المتقدمة، أو من أجزائها المؤخرة، أو من أحد جانبيها؛ لأن كل ذلك تحت تصرف السائق، وليس شيء منها يتحرك بنفسه.
إذن فالأصل أن سائل السيارة ضامن لكل ضرر ينشأ من عجلاتها، أو مقدمتها، أو من خلفها، أو من أحد جانبيها؛ لأن السيارة آلة محضة في يد السائق، فتنسب مباشرة الإضرار إليه.
فإن كان سائق السيارة متعدياً في سيره بمخالفة قواعد المرور، مثل أن يسوق السيارة بسرعة غير معتادة في مثل ذلك المكان، أو لم يلتزم بخطه في الشارع، وما إلى ذلك من قواعد المرور الأخرى فلا خفاء في كونه ضامناً؛ لأن الضرر إنما نشا بتعديه، والمتعدي ضامن في كل حال.
أما إذا لم يكن متعدياً في السير، بأن ساق سيارته ملتزماً بجميع قواعد المرور... فإن السائق يضمن الضرر الذي باشره، وإن لم يكن متعدياً؛ لأنه قد تقرر بإجماع الفقهاء أن المباشر لا يشترط لتضمينه أن يكون متعدياً... فيجب لتضمينه أن تضح نسبة المباشرة إليه بدون مزاحم على وجه معقول، وعلى هذا الأساس لا يضمن في الصور الآتية:
إذا كان السائق يسوق سيارته ملتزماً بجميع قواعد المرور، ولكن دفع شخص رجلاً آخر أمام سيارته فجأة بحيث لم يمكن له أن يوقف السيارة قبل أن تدهسه، فدهسته السيارة، فهنا لا يضمن السائق، وإنما يضمن الدافع...؛ لأن نسبة المباشرة لا تصح إلى سائق السيارة في هذه الصورة؛ لأن تأثير الدافع ههنا أقوى من تأثير الراكب...
إذا أوقف السائق سيارته أما إشارة المرور منتظراً إشارة فتح الطريق، فصدمته سيارة من خلفه ودفعته إلى الأمام فصدمت سيارته أحداً، فليس الضما على سائق السيارة، بل الضمان على سائق السيارة التي صدمتها من خلفها؛ لأنه لا تصح نسبة المباشرة إلى السيارة الأمامية، فإنها مدفوعة بمنزلة الآلة للسيارة الخلفية...
إذا كانت السيارة سليمة قبل السير بها، وكان السائق يتعدها تعهداً معروفاً، ثم طرأ عليها خلل مفاجئ في جهاز من أجهزتها، حتى خرجت السيارة من قدرة السائق ومكنته من ضبطها، فصدمت إنساناً... فإنه لا ضمان على السائق...؛ لأن ما حصل بالسيارة بعد خروجها من ضبط السائق حادثة حدثت بجهاز من أجهزتها، ولا تصح نسبتها إلى السائق، ولا يقال: إن السائق مباشر للاتلاف، وغاية ما يقال فيه: إنه مسبب للهلاك، فإنه هو الذي سير السيارة في مبدأ الأمر، وبما أنه مسبب، فيشترط لتضمينه التعدّي، فإن كان يتعهد السيارة تعهداً معروفاً، ويسيرها ملتزماً بقواعد المرور سيراً عادياً، فلا ضمان عليه لعدم التعدي، نعم! إن أخل بشرط من هذه الشروط، مثل عدم تعهده للسيارة، أو تسييرها مع خلل ظاهر في جهاز من أجهزتها، أو سوقها سوقاً عنيفاً، فإنه يضمن في ذلك، وإن خرجت السيارة من ضبطه؛ لأنه مسبب لانفلات السيارة بتعديه....
إذا ساق إنسان سيارة في شارع عام ملتزماً السرعة المقررة، ومتبعاً خط السير حسب النظام، ومتبصراً في سوقه حسب قواعد المرور، فقفز رجل أمامه فجأة، فصدمته السيارة رغم قيام السائق بما وجب عليه من الفرملة ونحوها... فإن الرجل الذي قفز أما السيارة إن قفز بقرب منها بحيث لا يمكن للسيارة في سيرها المعتاد في مثل ذلك المكان أن تتوقف بالفرملة، وكان قفزه فجأة لا يتوقّع مسبقاً لدى سائق متبصر محتاط، فإن هلاكه أو ضرره في مثل هذه الصورة لا ينسب إلى سائق السيارة، ولا يقال: إنه باشر الاتلاف، فلا يضمن السائق، ويصيراً القافز مسبباً لهلاك نفسه)).

والحمد لله رب العالمـــــــــــــــــــــين

No comments:

Post a Comment